بعد نحو 60 عاماً من قيام إسرائيل، لا تزال سياسات تهجير العرب من أراضيهم قائمة، ولعل مأساة عرب النقب هي الشاهد الأكبر على ممارسات الاحتلال، الذي يمارس منذ سنوات عملية طرد منهجية للعرب لإحلال اليهود في مكانهم
منذ نكبة الفلسطينين في الداخل، لا تزال قضية النقب (جنوب فلسطين المحتلة)، أحد رموز التمييز ومحاولات تهجير الفلسطينيين من أرضهم بالقوة والترهيب.
ويسكن في النقب ما يقرب من 170 الف فلسطيني من البدو، يعيش نحو 85 ألفاً منهم في قرى لا تعترف بها اسرائيل، يصل عددها إلى 45 قرية.
ومع مرور السنوات، تشدّد مؤسسات سلطات الاحتلال على عدم الاعتراف بقرى النقب «وفق القانون الإسرائيلي»، وتعدّها أراضي «غائبين»، مستغلة في ادعائها هذا ثُغراً قانونية تعود إلى عشرات السنين منذ الدولة العثمانية، وقوانين سنّتها الحكومة الصهيونية لنهب الأراضي العربية، حيث لم يسجل سكان النقب أراضيهم ولا يملكون مستندات تثبت ملكيتها، كونهم يعتمدون على الملكية على العادات والتقاليد، ذلك أن كل بدوي يعرف حدود أرضه، كما أنَهم موجودون عليها منذ ما قبل قيام الدولة العبرية.
وتعاني القرى غير المعترف بها أوضاعاً مزرية، لا تقترب أساساً من أن تكون إنسانية. يعيش في كل قرية بين 500 و5 آلاف نسمة. لا ماء ولا كهرباء ولا حتى مياه للشرب ولا حد أدنى من الخدمات الصحية، ولا طرق معبدة.
في هذه القرى بعض المدارس الابتدائية، التي لا تفي بالحاجة أساساً. لكن ليس هناك أي مدرسة ثانوية. ويرى المدير العام للمجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، عطوة أبو فريح، أنّ هذه الأوضاع «أدَّت إلى حال اجتماعية صعبة»، مشيراً إلى أن «هذه الظواهر وفقر المؤسسات التعليمية أنتجت أوضاعاً مزرية للغاية ونسبة متعلمين قليلة جداً وبطالة مستشرية». وشدد على أن إسرائيل «تستثمر كل الأساليب الممكنة من أجل إخضاع سكان النقب إلى التنازل عن أماكن سكناهم والانصياع إلى مخططاتها».
وتدور في أروقة الحكومة الاسرائيلية مخططات عديدة للمنطقة، إذ رصدت أول من أمس ما يقارب 400 مليون شيكل لـ«تطوير النقب».
و«التطوير»، هو التخطيط غير المعلن لوضع أكثر عدد من العرب على أقل مساحة من الأرض، في مقابل وضع أقل عدد من اليهود على أكبر مساحة من الأرض. ومن أجل تنفيذ المخطط، تستمر سلطات الاحتلال بتوزيع أوامر هدم جماعية تسارعت حدتّها منذ عام 2003، وفقًا لخطة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون، التي يتولاها اليوم نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي شمعون بيريز.
وقد رصد لهذه الخطة ما يقارب 1.175 مليار شيكل. وهدمت السلطات الاسرائيلية منذ بداية عام 2006، حتى نهاية شهر أيلول من العام نفسه 97 بيتاً. ووزعت آلاف أوامر الهدم.
وقد استيقظ قبل أسبوع أهالي قرية «السرة» غير المعترف بها، ووجدوا أنّ السلطات الإسرائيلية، علّقت أوامر هدم على مداخل كل بيوت القرية. لكنّ أهلها قرَّروا عدم تركها.
وتستعمل السلطات الاسرائيلية أساليب فاشية من أجل إجبار أهل النقب على تركه، فالمعروف لدى السلطات أنّ غالبية أهالي هذه القرى يعتاشون من الزراعة والأرض، ما دفع «دائرة أراضي إسرائيل»، بمشاركة ما يسمى «الدورية الخضراء»، إلى رش المحاصيل بالمبيدات عن طريق طائرة من أجل منع السكان من زراعتها ثانية.
ودمرّت السلطات الاسرائيلية في نيسان 2005 آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية، التي تعود إلى العرب. وأتلفت محاصيل 4200 دونم في شباط من العام نفسه، ما أدى إلى نقص في التغذية.
وقد أثبتت فحوص مخبرية أن طفلاً من كل ستة أطفال في القرى غير المعترف بها يعاني سوء تغذية.
في منتصف ستينيات القرن الماضي، بحثت إسرائيل عن «حل لقضية القرى غير المعترف بها»، وأقامت في ذلك الوقت سبع قرى من أجل جمع العرب فيها. وجرى تخطيط وبناء هذه القرى من دون إشراك السكان الأصليين ولا ممثليهم ولا هيئاتهم.
وبمرور السنين أُنشئت البلدات السبع، وهي: تل السبع ورهَط (وهي اليوم مدينة) وكسيف 5 وعرعرة النقب وشقيب السلام وحوره واللقية.
في المقابل، وُزّع السكان اليهود على امتداد النقب. وتشير المعطيات إلى أنّه حتى عام 2000، بنت إسرائيل ما يقارب 106 مستوطنات يهودية تتمتع بأفضل مرافق الحياة والشروط الحياتية اقتصادياً واجتماعياً.
وفي عام 2003، أقامت السلطات الاسرائيلية سبع قرى إضافية لتجميع سكان النقب. وهذه المرة أيضاً من دون التشاور مع ممثلي القرى. وقد رأت السلطات أنّ حدود هذه القرى «حدود زرقاء» ومن يسكن في خارجها يُعدّ خارجاً عن القانون.
ويشير ابو فريح، لـ«الأخبار»، «لقد فشلت هذه المخططات حتى الآن رغم تصميم السلطات على تمريرها»، مشيراً إلى «ثبات الفلسطينيين في المكان على أرضهم ومحصولهم». واستعرض ابو فريح عمل المجلس الإقليمي، مشيراً إلى أنه «يحاول إيجاد مخططات بديلة لمخططات السلطة وعرضها على الجهات المختصة وتقديم المساعدات قدر المستطاع والمساعدة في اعادة إعمار ما جرى هدمه».
المعضلة القانونية
تقول المحامية، بانا شغري بدارنة، من جمعية حقوق المواطن، لـ «الأخبار» إنّ «السلطات الإسرائيلية ترتكز إلى عدم تسجيل المواطنين العرب لأراضيهم».
ففي أثناء الحكم العثماني، طلب العثمانيون من السكان تسجيل أراضيهم، إلا أنّ سكان النقب لم يسجلوها نظراً لعدم اهتمام السلطات العثمانية بذلك. وبعد الحكم العثماني، حكم الإنكليز المنطقة وطلبوا تسجيل الأراضي أيضاً، ومنحوا المواطنين فترة شهرين، وحينئذ أيضاً، ظنّ سكان النقب أنّ الإنكليز سيتعاملون مع القضية مثل الأتراك ولم يسجّلوا أرضهم.
ويعود هذا إلى تصريحات أدلى بها المندوب السامي في ذلك الوقت، قال فيها إن «السلطة القبلية هي التي تسيطر على الأراضي».
وبعد النكبة وقيام دولة اسرائيل استغلت السلطات الاسرائيلية هذا الغرض، وطلبت من أهالي النقب تسجيل أراضيهم بناءً على إثباتات. لكن إثبات الناس ملكية الأرض هي بقاؤهم عليها. وكل مواطن في النقب يعلم جيداً أين تقع أرضه وحدودها.
وحتى هذه الساعة، لا تزال «دائرة أراضي اسرائيل» تصدر أوامر الهدم بشكل يومي وبالعشرات. وقد توجه سكان النقب إلى المحاكم الإسرائيلية من أجل نيل حقهم، لكنّ القانون الإسرائيلي أيضاً يرى أنهم مخالفون. وتعمل الحكومة الاسرائيلية في المقابل في هذه الحقبة الزمنية على توطين مليون يهودي جديد في النقب ودعم مدنهم بمقومات العيش الرغيد.