قل لي يا صديقي!!! (جزء الثاني)

قل لي يا صديقي!! جزء الثاني

قل لي يا صديقي..... عندما تطير بك نسمة صيف باردة على جناح الانتعاش والسعادة...... وتصفق لك أشرعة الحرية والأمل... بماذا يهتف قلبك مناديا؟ وما شعور همسات الدفء عندك؟

قل لي يا صديقي! عندما تجلس فوق كنبتك متربعا ، ونافذتك مفتوحة بجانبك لنسمات الهواء العليلة، وأصوات أطفال الحي يمرحون ويضحكون، وصوت مذياعك ينطلق معلنا عن أفراحك وسعادتك، قل لي! إلى أين تنطلق مشاعرك؟ وساعات تفكيرك كيف تقضيها؟ وبماذا تعبئها؟

يا صديقي المتربع على بساط الريح، المتكأ على عكاز الفرح، هل سمعت يوما عن بلاد التشرد؟عن أراضي التحدي المنقطع المثيل؟ وعن أطفال الضياع؟ وأولاد الشوارع؟
أم هل صممت أذنيك عن كلام الالام عن هموم الناس وعن.......... بلاد الحرب؟؟؟؟؟؟؟؟؟

نعم يا صديقي بلاد الحرب......

ألم تسمع بها؟ طبعا.......... فسعادتك بوطنك الهانئ وبمقرك الآمن انساك أن تصغي إلى كلام الحزن والألم.....

تعال........

علني أستطيع أن أخرجك قليلا من عالمك السحري الخيالي........ تعال....... لأطلعك على أسرار العالم من حولك ......

أنظر!!

هذه أكوام من جثث القتلى ........ ضحايا الحرب ..

لا......... لا تعجب!!!

نعم أنها أكوام كبيرة ، لو أنك أفقت مبكرا من خيالاتك ربما كنت قد منعت تكومها هنا...... وبهذه الاعداد.......

لا..... لا تتنهد........

فما زال الطريق طويل ومثل ذلك سترى الكثير بل سترى مناظر أقسى من ذلك........

ما هذا؟؟ أتسألني ما هذا؟؟؟؟؟؟؟؟

ألا ترى أن العيون قد تورمت وأن الأصوات قد رحلت بعيدا عن الحناجر؟ وثياب الحداد أكسبت النساء لونا أسودا؟ إن اولئك يا صديقي - وإن كنت تجهل؟- أرامل وثكالى فقدن أزواجهن وأولادهن في الحروب........

ماذا تقول؟

إن عددهن كبير؟

لا ........ لا يا صديقي ليس كبيرا بالنسبة لأكوام الجثث الراقدة على الأرض ........

لا......... لا تنزل دمعتك.........

فإن مثل هذه المناظر هينة بالنسبة لما ستراه قريبا........

ما بك تنظر بهذه الصورة المرعبة؟

وما لدمعتك السخية قد توقفت؟

لمجرد أني طلبت منك ذلك؟

ماذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟

ماذا تقول؟

أطفال العالم تجمعوا في مكان واحد؟

كلا يا صديقي........

فإن من تراهم هنا.....هم أطفال الضياع الذين كلمتك عنهم سابقا.........

وهم أولاد الشوارع الذين ذكرتهم لك.........

لا.......... لا يا صديقي..........

إنهم ليسوا أطفال العالم.........

بل أنهم أطفال هذه البقعة الصغيرة الضئيلة التي تراها هنا........

من ماذا تعجب؟ أمن صراخهم الزائد؟

أم من ملابسهم الممزقة؟

أم ما لفت انتباهك هزلهم الكبير؟

لا......... لا تعجب.........

فإن أخبرتك عن سيرة اولئك الأطفال لن تعجب من منظرهم......... بل ستعجب كيف بقوا سائرين على الأرض حتى الآن...... يتامى فقراء........ ومقطوعين بلا مأوى....... بلا عنوان.......

ألا تعجب من هذا أيضا؟؟؟؟

أم أن عالمك السحري ما زال يسيطر عليك حتى الآن؟

لا........ لا تنتحب..........

فإن مثلك أجدر بالسكوت أجدر بالنوم والتربع على كنبة الملوكية في دارك....... أمام التلفزيون....... بجانب المذياع...... وصوت أطفال حيك السعداء يكون أفضل دواء لتنسى العالم من حولك...... أفضل مخدر.........

آه يا صديقي لو لم يخدرك التحضر....... لو لم يسلبك تفكيرك التمدن....... لكنت يا صديقي منعت هذه الويلات أن تحدث.......
لكنت وفرت على اولئك الثكالى والأرامل دموعهن....... ومسحت دمعة الأطفال الأبرياء..........